عزيزتي ي،
الشعور بالذنب يطرق باب الجميع دون استثناء، وليس بابكِ وحدكِ. صحيح أنه يكون أحيانًا أكثر حدة عند البعض مقارنة بغيرهم
جذور هذا الشعور تعود إلى طفولتنا، حيث تكوّن في المواقف التي خفنا فيها من إغضاب الأشخاص الذين كنا نعتمد عليهم، خاصة والدينا. ذلك الإحساس بأننا تسببنا في استياء هؤلاء الأشخاص كان مرتبطًا بتهديد حقيقي لبقائنا. لماذا؟ لأننا كأطفال لم نكن قادرين على الاعتماد على أنفسنا، وكنا نحتاج لحب وقبول الكبار الذين كانوا مسؤولين عن تلبية احتياجاتنا
مثل كل المشاعر السلبية التي نختبرها في الحاضر، فإن الأسباب الحقيقية لهذه المشاعر مدفونة في ماضينا وليست نتيجة مباشرة للوضع الحالي. ولكن لأن الموقف الحالي يوقظها فينا، نظن أنه السبب
هناك عدة طرق للتخلص من هذا الشعور المزعج
للمؤمنين: تذكري أن الله محبة
الله خلقنا من محبة. نحن أبناؤه. كأم، بغض النظر عن ما يفعله طفلكِ، سيكون قلبكِ دائمًا مليئًا بالرحمة تجاهه، ولن تستطيعي إلا أن تسامحيه. أليس كذلك؟
الشمس لا تحكم، إنها تشرق على “الأخيار” و”الأشرار”. ألا تعتقدين أن خالق الشمس — الذي هو المحبة ذاتها - لديه من الرحمة ما لا يقل عن الشمس التي خلقها؟
أنتِ تعرفين الفرق بين اسمي الله “الرحمن” و”الرحيم”. في “الرحمن” هناك إمكانية للثواب والعقاب، لكنها مجرد إمكانية. أما في “الرحيم” فلا يوجد إلا الرحمة. ولهذا يأتي “الرحيم” دائمًا بعد “الرحمن“، لتأكيد ما قاله الله: “كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ”
فكرة العقاب أدخلها البشر لبث الخوف. لكن الله الذي هو محبة لا يريد أن يعبده أبناؤه خوفًا، بل حبًا. كما أنكِ تريدين أن تلهمي الحب في قلوب أطفالكِ وليس الخوف
العلاقة القائمة على الخوف مع الله تحد من قدرته وتختزله إلى مجرد معلم نخشى عقابه. بينما هو نفسه قال: “رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ”
للمؤمنين وغير المؤمنين: اعترفي بوهم التحكم
نجذب لا شعوريًا من الآخرين السلوكيات التي تتناغم مع مخاوفنا. كل تفاعل يحتاج إلى مرسل ومستقبل. إذا لم يكن هناك مستقبل، فإن المرسل لن يحقق أي تأثير. أنتِ الآن محاطة بموجات لا حصر لها: راديو، تلفزيون، إنترنت. لكن بدون جهاز مستقبِل مضبوط عليها، تبقى كلها صامتة
فهم أعمق للوجود يكشف لنا أن فكرة الإرادة الحرة ليست راسخة كما نعتقد. خياراتنا وأفعالنا نتاج تكييف لا شعوري وسلسلة لا تنتهي من الأسباب والنتائج. لدينا وهم أننا نقرر بحرية
حكماء الهند يعرفون هذا جيدًا، ويقولون دائمًا: “أنت لست الفاعل”. بكلمة “أنت” يقصدون الشخصية المحدودة. إنما الإلهي فينا هو الذي يعمل من خلالنا. كما يؤكد هذا القول العربي: “يا رب، أريد وأنت تريد، ولا يكون إلا ما تريد”
أخيرًا، قد نقول أو نفعل شيئًا نندم عليه فورًا. لكن من يعلم؟ ربما كان ما قلناه هو ما يحتاج الطرف الآخر لسماعه، أو ما فعلناه ضروريًا لصحوته. ما يؤذي الأنا قد يكون نافعًا للروح وتحررها
المهم أن نتصرف دائمًا بوعي كامل وبأفضل ما لدينا